قبل القراءة:

منذ زمن شغلني هذا السؤال: لماذا خلق الله الخلق؟ ولم تكن الإجابة “لنعبده” شافيةً لفضولي لمعرفة غرض الله في الخلق لذاته وليس لنا.

رغم سعادتي ورضائي بوصولي لهذه الإجابة التالية عندما كنت أصغر عمرًا، لا أدعي أنها الحقيقة المطلقة أو أنها كافية. ما زال هذا السؤال يشغلني حتى اليوم. أتمنى ألا يكون حبي للسجع ثقيلاً على القلب.


في البدء كان الله ولا أحد، بِنورِه فردٌ صمد، لا تُجاوِره ذات، ولا يَطلُبه إثبات. كان هو الوجود فأغناه، ولا شيء في الوجود عَداه. فحدثَ حادِثُ. أمر الله الكون ليكون فكان، وأرادَ حُسنًا فالكون زَان، أوجد الموجودات ومنحها خلا ذاتِه ذوات، وبثَها في الأرضِ والسماوات، فتَساءل الناظِرون: “لِمَ نحنُ مخلوقون؟” .. فأجاب: “وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون”. أجابهم بما يفهمون وما هم به مُكَلّفون. أسَرَّ غَرضَ الخلقِ لذاتهِ عَطفا، وأجَدَّ الناظِرون لهُ طَلبا، فقالوا: ما خلق الله الكون إلا جَبرا؛ فهو بالوجود رَبا، يُناظِرهُ تِلادا، ويُكافِئهُ لِزاما؛ فكِلاهُما شرط، فلا وجود بِلا واجِد، ولا ربُ بلا عابِد.


أصابوا إفكًا وأخطأوا صِدقًا، عن تنزِيه الله رَغِبوا، وعن ربوبيَتهِ غَرَبُوا، وهم في وجوبِ عدلهِ طائعون، وفي دروب رحمتهِ سائحون. أقام الكون على عداهُما؟! أكَتبَ الربُ على ذاتهِ خلاهُما؟!
وأقول: قد أعياني الفضول، وللحق طلبتُ الوصول، وشاغلني الجمال بالقَبول.. وهذا تفصيله:
ما أحسَنَ الله كونَهُ إلا عدلاً وجمالاً، فبعدلِه أوجَده، وبجمالِه حسَّنه، وبرحمتِه أبدعه. ما بجمالِه لذاتِه اكتفى، وما بغياب الحُسنِ ارتضى، شكّلت يداه كونًا الجمالُ قانونُه الأسمى، واستعراض الجمال فيه ناموسُه الأرقى، مِنه القُبحَ نُزِع، وعنه الظُلمَ رُفِع، فصَنع ما صَنع .. إبهارًا للناظرين ومتعةٌ للمُتأملين.

عدلٌ وجمال ألا يحتفظ الله بجماله لنفسه، عدل وجمال أن جعل خلقَهُ شُهداء على جمال صَنعته، عدل وجمال أن يُكتبُ علينا عبادته .. لا لأنه يحتاج لعبادتنا وهو الغني، ولكنه العدل والجمال المكتوبان عليه وعلينا وهو العَلي.

هنا أدركت وجهًا من وجوه الجمال ومعناه، بعد أن أعياني البحث عن غرض وجوده، فلمَ الجمال ولا فائدة منه؟ لمَ الوجود جميل ولا يخدم فقط غرضًا ويؤدي دورًا؟ لمَ جُعِلَت الماء رقراقة عجيبة السيلان وكان بالإمكان أن تخدم غرض الحياة فقط بلا جمال يُغلِفها؟ لمَ جُعِلَت الحياة مُلونة وكان للحياة الإكتمال بلا ألوان؟ لمَ عالم الأحياء مجبول على استعراض الجمال والتنافس فيه؟
وجدتُ الجمال هو أعلى القيم منطقًا، وأسمى قوانين الوجود، وعِماد خلق الكون .. ترى التيه فيما عداه، وترى الأمن في حدود جنته.


المزيد من الأفكار


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *